التسويق فن أم علم؟



يتحدث كثيرون عن التسويق دون فهم واضح لدلالاته و معانيه، فالمدير من موقعه و صاحب العمل من منظمته و المزارع من مزرعته و الشخص العادي في معاملاته اليومية، أو ربما يعجز تماما هذا المفهوم المقدم من طرفهم عن تغطية مفهوم التسويق تغطية كاملة أو حتى أنه قد لا يمد بأي صلة أو علاقة بالتسويق، كاعتبار ربة البيت عملية شرائها لاحتياجات المنزل المختلفة تسويقا

، و مندوب المبيعات زيارته لأحد زبائن المنشأة محاولا عقد صفقة بيع معه تسويقا، و من وجهة نظر المزارع قيامه بجلب المحاصيل الزراعية إلى الأسواق على أنه تسويقا، مما يجعلنا نفكر في التسويق على أنه الإعلان عن سلع المنشآت و خدماتها.(1)[i]  فاختلفت المعايير والمفاهيم حول التسويق من جامعة للأخرى ومن شخص لأخر فقلد عرف فيليب كوتلر Philip Kotler ، بروفيسور التسويق المشهور فقال:
"التسويق عملية إدارية اجتماعية يحصل بموجبها الأفراد والمجموعات على ما يحتاجون، ويتم تحقيق ذلك من خلال إنتاج وتبادل المنتجات ذات القيمة مع الآخرين" ومن هذا التعريف الجيد للتسويق فإن التسويق هو مزيج بين العلم والفن ، فهو علم يحاول فهم ما الذي يجعل الفرد منا يوافق على شراء سلعة معينة او خدمة او منتج ما  منفقاً من مالة الذي تعب في جمعه نعم ففي كل قصة نجاح ستجد للتسويق يدا فيها.
 وفن فإنه يحتاج من المسوق إلى تقديم شيء ملموس جديد مجاني له قيمة وفائدة وهذا ما أسماه علماء التسويق في الوقت الحاضر بالقيمة المضافة   Added Value  وأيضا معرفة بــ الاحتياجات والرغبات والطلبات وطبيعة الأنفس البشرية وكيفية التعامل معها أثناء عملية التسويق ، وسأقص عليك نموذج عملي لقيمة مضافة جيدة وإدارة ناجحة :
في عام 1983 التحق دوني دويتش بشركة الصغيرة للإعلانات في مدينة نيويورك، وفي ذلك الوقت الذي كان أبوه يفكر في بيع الشركة لتقدمه في السن، لكن كوني الصغير نجح في اقناع أبية بالعدول عن ذلك. وترك الشركة لابنه الثائر الصغير كي يديرها وفقاً للطريقة التي يريدها الأبن .
تتمن قائمة عملاء شركة دويتش للإعلانات اليوم شركات كبري مثل جونسون ، نوفارتيس ، ميتسوبيشي، إيكيا ، وكذلك دعايات حملة بيل كلينتون للترشح للرئاسة الأمريكية في عام 1992 .
باع دوني ملكية الشركة في عام 2000 بقرابة 300 مليون دولار مع بقائه مدير مجلس الإدارة لها . بعدها وجه دوني اهتمامه إلى صناعه الأفلام عبر إنشاء شركة إنتاج فني ، وهو قدم أيضا برنامج تلفزيوني خاص به في قناة سي ان بي سي الأمريكية ، سماه الفكرة الكبيرة ، وألف كتاباً خصصه لتشجيع الأعمال حاول أن يضع فيه خلاصة خبرته على مر عقدين من الزمن في مجال الإعلانات.
يعترف دوني أنه كان محظوظاً لكون أبيه صاحب شركة إعلانات ومحظوظاً ايضاً لأنه رغم استهتاره في فترة الصبا التي قضاها في مشاهدة التلفاز والحفلات والرياضة ، لم تستغن عنه الشركات التي عمل بها أثناء دراسته رغم أنه لم يهتم كما يجب لشؤون العمل.
تلك الوظائف قصيرة الأجل هي التي جعلت دوني يدرك أنه لا يريد أن يقضي حياته في مجال الاقتصاد او المحاسبة ، بل في الإبداع والفن . ذهب دوني لأبيه وقال له دعني أعمل في ركن صغير في الشركة ، ودعني أجلب زبائن جدد ، وهكذا انطلق دوني يجلب العميل تلو العميل ، وبدلاً من أن يستحوذ على شركة أبية بدأ وكالة دعاية جديدة داخل وكالة أبية .
وكانت فلسفة دوني في  العمل تعتمد على اجتذاب وتوظيف الموهبين صغار السن خاصة من هم أكثر ذكاءً وبريقاً منه هو ، وأقناعهم بالعمل معه ضمن الفريق . يبحث دوني عمن هم على وشك الوصول إلى القمة بالفعل، وهو يؤكد أنه يعطى منصب الإدارة لمن يريد أن يصبح مديراً ناجحاً ، ويجد في عينيه البريق الدال على امكانية تحقيقه لذلك، وهو لن يعطيه لمدير سابق وحقق النجاح الذي يبحث عنه .
نموذج التحفير الذاتي لدوني يعتمد على أنه لا وجود لعبقري حقيقي كامل ، وبالتالي فكل شيء ممكن تحقيقه ، وكل عمل عظيم يمكن التفوق علية، هذه الطريقة الساذجة على حد قول دوني ساعدته على بلوغ ما وصل إلية اليوم.  
لماذا باع دوني شركته ( التي كانت تحقق 20 % زيادة سنوية في المبيعات ) وهو في أول نجاحة ؟ لأنه لا يريد جبلاً شاهقاً لتسلقه، لقد أصبح دوني قبلة من يريد تصميم إعلان تلفزيوني لا مثيل له ، وبرنامجه التلفزيوني استضاف فيه عِليه وكبار القوم ، وهو تحدث فيه عن السياسة وعن الموسيقى. لقد حقق جزء كبيراً من أحلامه والآن علية البحث عن مزيد من الأحلام لتحقيقها والصعاب ليقهرها.
أدار دوني الشركة من منظور رجل أعمال لديه القدرة على الإبداع ، وهو يؤكد أن لم يجبر عميلاً من عملائه على قبول أي فكرة دعائية أو إعلانية قدمها له ، بل كانت أعماله من الإبداع بمكان حتى أنها كانت تلق القبول بشكل تلقائي .دون الحاجه لضغوط أو جدل . كذلك نجد الكثير من الشركات تعتمد اليوم على تقسيم أقسامها إلى مراكز ربح تتنافس فيما بينها لكن دوني يضع الجميع في شركته تحت سقف واحد، يجمعهم هدف واحد ، هو تحقيق الربح بشكل جماعي2[ii] وختاماً نعرف التسويق " عملية إدارية تحدد حاجات العملاء وتسارع إلى إشباعها بشكل يحقق الربح "

0 التعليقات:

إرسال تعليق